السبت، 13 ديسمبر 2014

ستيف جوبز دليل على أهمية التعليم الأكاديمي، وليس ضده!

يستخدم منتقدي التعليم الأكاديمي لإدارة الأعمال ستيف جوبز وبيل جيتس ليدعموا وجهة النظر القائلة: لا حاجة للتعليم الجامعي فيما يخص ادارة الاعمال. وريادة الاعمال تُكتسب من الشارع وليس اورقة الجامعات. 
هنا انا لا أعارض وجهة النظر هذه بشكل تام، ولكني اطرح بعض النقاط التي تدل على حاجة الطرفين لبعضهم البعض -الاكاديمي والمُمارس-  بدلاً من محاولة كل طرف ، الأكاديمي من جهة والممارس practitioner من جهة اخرى، في الانتقاص من الطرف الاخر. 
نعود لستيف جوبز من يُعتبر للجميع المثال الحقيقي لريادة الاعمال، للثورة ضد التعليم والأنظمة والسائد في المجتمع status quo كيف لا وهو من رمى بتعليمه في ارقى جامعات العالم خلف ظهره وسعى خلف أحلامه ليلهم الجميع؟ ولكن قبل التعمق في هذا المثال اكثر، اتمنى ان تعود للصورة مرة اخرى وتحاول معرفة اي دليل او بصمة للتعليم الجامعي ممكن أن تجده فيها؟
لاحظ كيفية عرض السعر، ما السبب في عرضه المنتج بدولار اقل من ٢٠٠؟ لماذا ١٩٩ بالذات؟ 
السبب هو ما يسمى بـ framing effect ، مفهوم خرج من مختبرات الجامعات في امريكا، بعد اختبارات "نظرية" بعيدة كل البعد عن التطبيق العملي والحقيقي لإدارة الاعمال. 
المفهوم بإختصار فكرته كيف ممكن اي رسالة تولد ردة فعل مختلفة حسب طريقة عرضك لها. اوباما مثلاً عند حديثه عن زيادة الانفاق على التعليم في امريكا، يحرص على قولها على شكل مبلغ ( ٣ مليار مثلاً) كي تظهر بشكل كبير في ذهن المتلقي (لانه خبر إيجابي). والعكس عند حديثه عن زيادة في الضرائب، يذكرها على شكل نسبة مئوية (١٪ مثلا) وقد تكون اكثر من كم مليار، لكنها تظهر بشكل اقل حدة ان صح التعبير. 
بالنسبة لطريقة عرض السعر بتخفيض سنت واحد او دولار واحد، يظهر السعر بشكل اقل مما لو عرض بدون هذا التخفيض. مثال: بناءً على دراسات سابقة، العميل يستوعب ٣.٩٩ سنت ارخص من ٤ دولار بشكل اكبر من الفارق الحقيقي الذي هو سنت واحد فقط.
نعود لموضوعنا، هل ستيف جوبز كان على علم بهذه المعلومات؟ طبعاً. اي قارىء لسيرة ستيف جوبز الذاتية بيتأكد ان ستيف مستحيل أن يرضى بأي تصرف عشوائي تحت إدارته، ويهتم بأدق التفاصيل. 
سؤال اخر، هل ستيف جوبز او اي موظف في شركة ابل لديه الوقت الكافي للقيام بدراسات نظرية بهذا الشكل؟ لا اعتقد. التنافس العظيم بين ابل وسامسونج وبقية الأولويات الاستراتيجية تحتم على الشركة التركيز على أمور اخرى بدلاً من محاولة فهم سلوك المستهلك بشكل نظري بحت. 
الجامعات في الجهة الاخرى، لديها كل الوقت لمحاولة إختبار النظرية تلو الاخرى. الباحث يبدأ من حيث انتهى الآخرين، ويختبر النظريات بعيداً عن الضغط النفسي او الزماني الذي يمر فيه صاحب العمل. وهنا تتضح أهمية القطاع الأكاديمي : لديه الوقت الكافي، والمفروض الموارد المالية اللازمة ، ان يختبر نظرياً مفاهيم تخص التسويق بعيداً عن صخب السوق نفسه. وبعد الخروج بالنظرية، السوق يختبرها لمعرفة اذا ما كانت النظرية تُطبق خارج أسوار الجامعة ام لا. 
التسويق في المملكة، الى اين؟
للاسف ما زال التسويق في المملكة بعيد كل البعد عما يجب ان يكون عليه. الدكتور بعد سنوات من الدراسة النظرية في الخارج يجب ان يتوقع من نفسه شيء اكبر من مجرد مترجم لغوي. ترجمة كتب عملية ليست وظيفة الدكتور. ترجمة مقالات عن التسويق ليست وظيفة الدكتور. الوظيفة الحقيقية بجانب تعليم الطلاب، هي عمل نظريات تسويقية تضع كليات ادارة الاعمال في المملكة في قلب الحدث من جديد. 
في امريكا يتم انتقاد الكليات لانها تختبر نظرياتها على طلبة الجامعات فقط، وبذلك يعتقد المنتقدين ان هذه النظريات قد لا تنطبق على أشخاص اخرين مختلفين عن طلبة الجامعة في امريكا نفسها. الان لنعبر المحيط الأطلنطي ونذهب إلى المملكة ونطرح سؤال بسيط جداً: هل رودريجيز من ميامي فلوريدا وطالب التسويق في جامعة ميامي من عائلة اصلهم من كوبا والذي تم تطبيق دراسة احد دكاترة التسويق عليه للخروج بنظرية جديدة هو مثل محمد من الرياض الطالب في جامعة الملك سعود؟ لا طبعاً! اذاً كيف نتوقع او نجزم ان هذه النظريات التي تخرج لنا كل شهر في مجلات هارفارد وام اي تي سلوان وكونسيمور ريسيرش لها أي علاقة بالمستهلك السعودي؟ البداية من طلبة الجامعات في المملكة هي الخطوة الاكثر عقلانية، بعدها على الكليات المحاولة للتوسع اكثر فأكثر لتدمج الطلاب مع بقية شرائح المجتمع في الدراسات.
احمد الردادي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق