الجمعة، 29 يونيو 2012

كيف نفشل بطريقة "بروكتل اند جامبل" ؟


الفشل بطريقة "بروكتير اند جامبل" !



دائماً ما اسأل نفسي عند ملاحظة فشـل اي مشروع ، ما هو سبب الفشل ؟ والاهم من ذلك هل كان بالإمكان ، افضل مما كان ؟ 
بمعنى هل كان بإستطاعة المشروع تجنب الفشل بمحاولات اكثر ودراسة أعمق ؟ ام ان المشروع كُتب له الفشل منذ البداية بسبب فشل صاحبه في قراءة السوق وذوق المستهلكين ؟
قراءة لحالة مرت بها الشركة الإمريكية “بروجتل اند جامبل” وكيف تصرفت تجاه فشل احد منتجاتها ساعدتني على الحصول على تصور افضل بشكل كبير ، وأكدت لي نقاط كنت اؤمن بها مسبقاً بانها فعلاً صحيحة ! ولاحظت امور عن شركة "بروكتر اند جامبل" وضحت لي بإختصار سبب تربع الشركات الأمريكية على عرش المنتجات الاستهلاكية!!
فابريس ، الرائحة لم تكن جميلة دائماً !
فابريس منتج يلغي الرائحة الكريهة ، وفي الإعلان أعلاه يوضح كيف ان الطير لم يلاحظ السمك بسبب عدم وجود رائحة له بسبب منتج فابريس.

دراك ستيمبسون ، خبير كيميائي يعمل في "بروكتر اند جامبل" ، كان مدخن شره بطريقة مستفزة جداً لزوجته إلا انها في احد الأيام استغربت من عدم وجود رائحة التدخين عند عودته من العمل ، لدرجة انها قالت له “مبروك ترك التدخين ، دراك !” الغريب انه لم يترك التدخين وكان ذلك اليوم مثل اي يوم اخر دخن فيه بنفس الشراهة!
ما لم يعلمه دراك ، بعد ، انه ابتكر احد اعظم المنتجات في تاريخ "بروكتر اند جامبل" بالصدفة ! وهو تركيبة كيميائية تنزع الرائحة من اي شيء > منتج يساعد الاشخاص في نزع رائحة السجائر والقمائم وكل ما ينتج رائحة كريهة ، إبتكار جديد يحتاجه اي شخص ! مدراء "بروكتر اند جامبل" لم يصدقوا ما توصل إليه ستيمبسون وكيفية وصوله لهذا المنتج والملايين التي ستدر على الشركة بسببه!
تم تصميم منتج جديد يقوم على هذه الفكرة " إلغاء الرائحة الكريهة " وعمل عبوة وحملة دعائية وإختيار المدن التي سيتم تجربة المنتج فيها. وتم تصميم حملة ترويجية تقوم على فكرة "تخلص من الرائحة الكريهة". والان على القائمين على مشروع فابريس الإنتظار ورؤية النتائج !
مع مرور الاشهر بدأت الإدارة تلاحظ نقص في المبيعات ، وعدم إنتهاء الكميات في الاسواق واستمرار وجود فابريس على الارفف. شيء لم يتوقعه اشد المتشائمين في الشركة ، فكيف لمنتج يحتاجه جزء ليس بقليل من السوق ، لم يقدمه احد من قبل بحملة ترويجية لخبراء في علم التسويق تحلم بهم اي شركة في العالم ، يفشل هذا الفشل الذريع رغم ان لاقى إستحسان عدد ليس بقليل من الزبائن الذين تم تجربة المنتج معهم قبل عرضه في الاسواق بشكل تجريبي !!
لو كانت المنتج سعودي ومر بهذه التجربة ، ما هي الخطوة القادمة ؟
لو كان فابريس مطعم مثلاً ، وواجه فشل .. هل الحل هو إعلان الإفلاس ام .... ؟
لو انت مكان مدير “بروجتل اند جامبل” ما هي الخطوة القادمة بالنسبة لك ؟
بالنسبة لـ ستيمبسون ، وصلت له عدة شائعات بأن المدراء سيقوموا بالحل الاسرع والامثل ، إنهاء المنتج حفاظاً على اموال الشركة وماء وجههم امام الملاك. ولكنه طلب منهم إعطاءه فرصة اخيرة لإنقاذ المنتج وهو ما حصل عليه. اول ما قام به ستيمبسون هو ( معاينة المشكلة بطريقة علمية ) وقام بالتالي :
ستة قطط يعيشون في منزلها ، ولا تجد اي مشكلة في الرائحة !



مقابلة زبائن قاموا بشراء المنتج : وكانت هنالك مقابلة بعين ذاتها التي اوضحت لهم سبب فشل المنتج ، حيث دخل عدة خبراء تسويقيين مع ستيمبسون إلى منزل سيدة تملك ستة قطط ورائحة المنزل لا تطاق ابداً ! لدرجة ان احدهم لم يتحمل الرائحة وبدى ذلك واضحاً على طريقة كلامه. وقاموا بسؤال السيدة عن رأيها في المنتج الذي قامت بشرائه منذ عدة اشهر ، وكان ردها : المنتج جيد ورائع ، واستخدمه متى ما شعرت بضرورته وبمعدل تقريباً مرة في الشهر! سألها احدهم : ومتى تكون هذه الضرورة ؟ وردت عليه : حينما تكون الرائحة كريهة ! ما كان واضح وقتها انها لم تشم الرائحة الكريهة مثلهم لانها تعودت عليها !، ومن هنا باتت المشكلة واضحة لستمبسون ورفاقه ، اغلب الاشخاص لا يشمّوا الرائحة الكريهة التي تعودوا عليها. المشكلة الكبيرة لمسؤولي التسويق انهم لم يستطيعوا بيع منتج يساعد على التخلص من الرائحة الكريهة لسيدة تعيش مع ستة قطط !! تحدي صعب حد الإحباط لمسؤولي التسويق في الشركة !!


هارفارد والمجتمع الاكاديمي ، نحتاج إلى المساعدة !

قام ستمبسون بإستغلال علاقات "بروكتل اند جامبل" القوية مع بعض الجامعات واتصل بهم ، وكان اولها جامعة هارفارد - كلية إدارة الأعمال. حيث طلب من دكاترة هارفارد عمل دراسة توضح سبب عدم تقبل الزبائن للمنتج ، او بالاصح نسيانهم للمنتج رغم انهم ، الزبائن ، اكدوا انه يؤدي الغرض على اكمل وجه! وبعد فترة من الدراسة جاء الرد من هارفارد : الزبائن ينظرون للمنتج على انه يلغي الرائحة الكريهة بشكل جيد. لكنهم لا يعتقدوا انهم بحاجة لهذا المنتج ! وتم إقتراح طريقة الدعايات التي تغير هذا المفهوم لدى الزبائن وكيف يستطيعوا إقناع الزبائن انهم بحاجة إلى هذا المنتج!
التجسس !

مشاهدة جميع الفديوهات المسجلة لدى "بروكتل اند جامبل"  لربّات المنازل وهم يقوموا بتنظيف منازلهم - بموافقتهم طبعاً - ، وتحليل عملية التنظيف واختيار الطريقة المناسبة لتقديم منتج فابريس لهم. ولاحظوا شيء غير تاريخ منتج فابريس تماماً ، وهو ابتسامة الإمرأة التي تقوم بالتنظيف في كل مرة تنتهي فيها من تنظيف شيء معين ، او الاسترخاء او عدة امور اخرى تدل على نفس الشيء : الراحة النفسية بالإنجاز ! وهنا يأتي دور فابريس ليكون اللمسة الاخيرة لعملية التنظيف ، وليس المنتج الذي يغني عن عملية التنظيف !
التعديل ، وتقديم المنتج بشكل جديد .. ورائحة جديدة !

بعد كل هذه الخطوات وسماع النصائح من خبراء هارفارد ، الحل كان في إضافة روائح جميلة لـ فابريس بالإضافة إلى الميزة الاخرى والتي هي نزع الرائحة الكريهة ، والتأكد من ان يعلم مستخدم فابريس ذلك! وقاموا بتصميم حملة تسويقية جديدة تقدم المنتج كـ شيء يقدم رائحة جميلة ، وينزع الرائحة الكريهة بالإضافة لذلك وليس العكس !
كان ذلك عام ٩٨ ، وخلال سنة من الحملة الترويجية الجديدة اصبحت المبيعات اكثر بالضعف! لتقدم ما يقارب ٢٥٠ مليون دولار لشركة بروجتل اند جامبل ، واليوم اصبح يقدم المنتج ما يقارب بليون دولار سنوياً للشركة. يستاهلوا !
كي نفشل مثل "بروكتل اند جامبل"  :
  1. لا نفقد الامل بسهولة ، ونتأكد اننا قمنا بكل ما نستطيع قبل ان نعلن نهاية مشروع او منتج كان حلم جميل يوماً من الايام!
  2. الإستعانة بالقطاع الاكاديمي ، لانه حتى لشركة كبيرة مثل بروجتل اند جامبل صعب ان تجد الوقت الكافي لتبدع في مجال سلوك المستهلك مثل جامعة او كلية متخصصة في هذا المجال. وبخصوص الوضع في السعودية ،اعتقد يجب ان تبحث الجامعات عن مشاريع على وشك الفشل وتساعدها في قلب الآية ليستفيد الجميع، خبرة هنا للطلاب ونجاح إن شاء الله هناك لمشاريع كانت قاب قوسين او ادنى من الفشل !
  3. العودة إلى المستهلك دائماً وسؤاله : لماذا لم يعجبك منتجي ؟ كيف لي ان ارضيك !
  4. الا نكابر ونقبل التغيير ، في النهاية وكما يقول اغلب الإقتصاديين : السوق هو الحكم دائماً وابداً ! وإذا لم تتقبل التغيير ، تقبل الفشل !
احمد الردادي